كتب بن ريف أن الأطفال والصحفيين وعمال الإنقاذ في غزة الذين شاهدوا زملاءهم يُقتلون أمام أعينهم طوال عامين، بدأوا يتنفسون الصعداء مع ظهور بوادر انتهاء كابوسهم. وكذلك عائلات الرهائن الإسرائيليين التي ظنّت أنها لن تراهم مجددًا، بدأت تشاركهم الأمل.
ومع ذلك، تبقى أسباب الحذر من مصير الهدنة طويلة الأمد كثيرة. يقول الكاتب إنه شاهد مشهدًا مشابهًا في يناير الماضي عندما خلع الصحفي أنس الشريف سترته الواقية على الهواء مباشرة مبشرًا بانتهاء القتال، لكن إسرائيل خرقت الاتفاق بعد أسابيع قليلة عبر شن أكثر من مئة غارة على غزة، أسفرت عن مقتل أكثر من 400 فلسطيني بينهم الشريف وخمسة صحفيين آخرين.
يشير موقع الجارديان إلى أن ما يثير القلق اليوم ليس فقط ضعف مضمون الصفقة الجديدة التي أبرمها ترامب وبلير، بل أيضًا التحايل اللغوي في خطابها الرسمي. إذ أعلن ترامب أن ما تم التوصل إليه هو "المرحلة الأولى" من الاتفاق، رغم أن هذا المصطلح لا يظهر في نص الوثيقة الأصلية، بل يشبه ما فعله نتنياهو سابقًا حين استخدم صفقة الأسرى ذريعة لاستئناف الحرب بعد الإفراج عن بعض الرهائن. ويؤكد الكاتب أن هذا "التلاعب بالمفاهيم" ليس صدفة، بل أسلوب متعمد من نتنياهو لإبقاء باب الحرب مفتوحًا متى شاء.
ويرى ريف أن سلوك نتنياهو يُفهم فقط من خلال دوافعه الشخصية: أولها محاكمته الجارية بتهم الرشوة والاحتيال، والتي تجعله متمسكًا بالسلطة لتأجيل أي حكم قضائي محتمل. وثانيها عداؤه التاريخي لفكرة الدولة الفلسطينية؛ فمنذ التسعينيات وهو يعمل على تقويض أي عملية سلام حقيقية، من اتفاق أوسلو إلى مبادرات الإدارات الأميركية المتعاقبة. بعد هجمات السابع من أكتوبر، انخفضت شعبيته إلى أدنى مستوياتها، فاندفع إلى حرب مدمّرة في غزة دون أهداف واضحة سوى إنقاذ موقعه السياسي، حتى لو كلّف ذلك آلاف الأرواح.
ويضيف الكاتب أن نتنياهو تبنّى أجندة اليمين المتطرف التي تدعو لإفراغ غزة من سكانها الفلسطينيين، لكنه اصطدم برفض مصري حازم وبعزوف دولي عن استقبال اللاجئين. ومع فشل خططه في "تطهير" القطاع، تراجع ووقّع الهدنة الجديدة بعد أن أدرك تحوّل ميزان المصلحة: إسرائيل أصبحت منبوذة دوليًا، واقتصادها يعاني، وشعبيته لا تتحسن رغم الدمار الذي تباهى به في الأمم المتحدة. لذا اختار الآن أن يعلن "النصر الكامل" ويحوّل الهدنة إلى منصة لحملته الانتخابية المقبلة.
ويتوقع ريف أن نتنياهو سيستخدم مشاهد استقبال الرهائن وابتساماته إلى جانب ترامب كأداة دعائية، وربما يسعى إلى اتفاقات تطبيع إضافية مع السعودية أو إندونيسيا لتقوية موقعه. لكنه يحذر من أن تقسيم تنفيذ الاتفاق إلى مراحل يمنحه فرصة جديدة لتقويضه لاحقًا إذا اقتضت مصلحته السياسية. ويؤكد أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لا ينوي مطلقًا تمهيد الطريق أمام دولة فلسطينية مستقلة، رغم ما تنص عليه بنود الاتفاق.
ويختم الكاتب بدعوة المجتمع الدولي إلى عدم التراخي أمام محاولات نتنياهو الالتفاف على الاتفاق أو نقل الصراع إلى الضفة الغربية، حيث يواجه الفلسطينيون موجة تهجير جديدة. ويرى أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية يفقد معناه ما دامت إسرائيل تواصل ابتلاع الأرض دون عقاب. وحتى لو صمدت الهدنة، فلا عودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر، فـ جرائم الحرب تتطلب محاسبة حقيقية وعدالة للشهداء، ولابد أن يُعاد بناء غزة وتُستعاد كرامة شعبها من تحت الركام.
https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/oct/10/benjamin-netanyahu-gaza-deal-israel-palestine